تطور الحركة الوطنية الجزائرية بعد مجازر 08 ماي 1945
عرفت الحركة الوطنية عدة أحداث ومحطات تحضيرية هامة،قبل انطلاق الكفاح المسلح ما بين سنة 1945 و1954،هذه الأحداث ساهمت بشكل مباشر في تفجير ثورة الفاتح من نوفمبر1954، وتبدأ أولى هذه المحطات مع شهر مايو 1945، حيث بدأت القطيعة مع الأساليب القديمة للنضال السياسي السلمي في الاطر النظامية المتعارف عليها أي تقديم العرائض تنظيم مظاهرات والشعارات والتنديدات التي كان مناضلي حزب الشعب الجزائري (PPA) مع باقي الأحزاب السياسية الأخرى.
التغيير جاء من داخل حزب الشعب الجزائري ،فبعد إطلاق صراح زعيمه مصالي الحاج قام هذا الأخير رفقة اعضاء الحزب في تشكيل حركة سياسية جديدة خلفا لحزب الشعب المحل،حيث كان اجتماع أكتوبر 1946 ،مناسبة لتأسيس “حركة انتصار الحريات الديمقراطية”،في الحقيقة أن القطيعة الإيديولوجية داخل الحركة الثورية الجزائرية بدأت مع هذا الاجتماع،حيث ظهر خلاف جلي بين اعضاء حزب الشعب الجزائري( حركة انتصار الحريات الديمقراطية)،فزعيم الحزب مصالي الحاج أصبح يدعو إلى المشاركة في الانتخابات ومسايرة السياسية الاستعمارية،أي الاستمرار العمل داخل الاطر الشرعية،وهذا ما جعل العناصر الشابة الجيل الجديد من مناضلي الحركة والمؤمنين بالعمل المسلح يجهرون بمعارضتهم لأسلوب الذي انتهجه مصالي الحاج وجماعته.
هذه الجماعة هي التي شكلت المنظمة الخاصة،والتي أصبحت تؤمن بالكفاح المسلح، وترى أنه ضروري لبلوغ الهدف المنشود لتحقيق الاستقلال (1). لذا فإن مجازر مايو 1945 رغم بشاعتها وجرمها إلاّ أنها أتت بثمارها، المتمثل في ترسيخ الوعي والاعتقاد بان الاستقلال لا يتحقق إلا بالكفاح المسلح، لذا بدا البحث عن بدائل جديدة لمواجهة السياسة الاستعمارية.
لقد اقتنع الكثير من المناضلين بأنه لا حل إلاّّ بالكفاح المسلح لتقويض أركان الاستعمار، حيث قامت المجموعة المتحمسة للعمل المسلح والمتشبعة بالأفكار الثورية بإجراء عدة اتصالات ومشاورات فيما بينها،كان فحواها الحث على العمل المسلح كخيار أساسي لإيجاد حل للقضية الجزائرية،هذا الخيار الجديد وجد فتوراً ومعارضة من قبل بعض المناضلين (2) .
ما يلاحظ من تطور على الحركة الثورية الجزائرية ،يمكن تلمس بداياته الأولى خلال انعقاد ندوة الإطارات لحركة انتصار الحريات الديمقراطية،التي اشرنا إليها سلفا،ففي اجتماع ببوزريعة في أكتوبر 1946 ظهر هذا المشروع، وطُرح من جديد في هذه الندوة،كتوجه وخيار جديد ،موازي وبديل لتوجه الذي اراد اتباعه مصالي ومجموعته أي الدخول في لعبة السياسة الاستعمارية ( الخوض في انتخابات لاجدوى’ منها مع السلطات الفرنسية)، والارتماء في أحضان سياستها.
عندما نقرأ في أدبيات الحركة نجد الأسماء التي كانت تدعو إلى العمل المسلح حيث نجد على رأسهم محمد الأمين دباغين، عمّار أوصديق (3) وعمّار ولد حمودة (4) والطيب بالحروف (5)، في حين رأى’ الاتجاه الآخر بأن العمل المسلح لم يحِن بعد، بل يجب تدويل القضية الجزائرية والمشاركة في الانتخابات في الوقت نفسه،تبنى’ هذا الاتجاه رئيس الحزب الحاج مصالي وأتباعه (6).
للفصل في هذه القضية انعقد المؤتمر الأول لحزب”حركة انتصار الحريات الديمقراطية “( MTLD) في 15 فبراير1947 ببلكور في سرية تامة، وهو المؤتمر الذي قال عنه الحاج مصالي ” أنه انعقد في جو منعدم الثقة وفيه تصفية الحسابات، وحرب التكتلات والدسائس والتسابق نحو السلطة، وكان مسرحاً لأكبر ديمغوجية عرفها الحزب “(7).
طُرحت خلال هذا المؤتمر عدة قضايا من بينها مشاركة الحزب في الانتخابات القادمة أو عدم مشاركته، وتحت أي تسمية فحزب الشعب كان محظوراً، أما “حركة انتصار الحريات الديمقراطية ” التي حلت محله فلم تتبلور بعد ولم تظهر قيادتها (
، فالقيادة القديمة للحزب المحظور بعضها في المنفى والبعض الآخر في السجون، وبالتالي كانت غائبة مدة طويلة عن الساحة السياسية، بحيث أن وضعت علامة استفهام حول أسباب إبعاد فرنسا لهم عن الحياة السياسية قرابة عشر سنوات(9)، وهو ما ذكره الحاج مصالي في تقريره حيث قال: ” أثناء هذا المؤتمر رأيت بوضوح كبير وشعرت بأن الشخص المسئول عن الحزب ليس له اعتبار كبير، وبحكم ابتعادي عن الحزب مدة عشر سنوات كاملة وجدت نفسي أجهل أغلب المسئولين، ومعزولاً عن الكل تقريباً “(10)، وخلال هذا الغياب انضمت عناصر جديدة للحزب حاملة معها أفكاراً جديدة، فمنهم من كان في تنظيم آخر، والبعض من لم يسبق له النضال الحزبي،كما أنها كانت لا تعرف بعضها البعض، وكان لكل واحد تصوراً خاصاً به، وشكلت هذه العناصر المعارضة القوية داخل الحزب، وظهرت لاسيما بعدما رفضت توكيل مهمة تعين قيادة الحزب للحاج مصالي، وهو ما ذكره هذا الأخير بقوله : “…وكرست كل وقتي للتعرف على المسئولين، والمشاكل السياسية قبل أن أصدر حكما نهائيا وموضوعيا. “، وفُصل في هذا الأمر بعد أن تكونت لجنة تتولى هذه المهمة، وتألفت لجنة ترشيحات من الحاج مصالي وأحمد مزغنة (11) والأمين الدباغين (12) وأحمد بودة (13) وحسين لحول (14)، وبدأت اللجنة في عملها، ورُجحت في الأخير الكفة للأمين الدباغين وأنصاره كونه كان على رأس الحزب في الجزائر خلال الفترة ما بين (1939 و1947)، الأمر الذي سمح له بمعرفة العناصر المناضلة الجديدة التي انخرطت في الحزب خلال هذه الفترة، في الوقت الذي كان فيه الحاج مصالي غائباً، ولم يكن يعرف إلاّ الإطارات القديمة (15). ورغم الخلاف الذي وقع أثناء الاجتماع إلاّ أنه تقرر في نهاية الأمر وضع صياغة نهائية تحدد معالم الحزب الجديد ونشاطه السياسي المعلن وغير المعلن، وأنهى’ المؤتمر أعماله بالموافقة على القرارات التالية ( 16):
أ- المشاركة في الانتخابات تحت اسم حركة انتصار الحريات الديمقراطية بقيادة أحمد مزغنة، كوسيلة تكتيكية لعرض البرنامج السياسي للحزب مع الالتزام بعدم المشاركة في أي نشاط برلماني
ب- إنشاء منظمة سرية شبه عسكرية تحت اسم المنظمة الخاصة بقيادة لمحمّد بلوزداد .
ج- إبقاء على حزب الشعب المحظور يعمل في السرية بقيادة أحمد بودة .
- بدية رسم معالم الكفاح المسلح في الجزائر ( المنظمة الخاصة)
يبدو أن أهم ما خرج به المؤتمر هو الإعلان عن ميلاد المنظمة السرية الخاصة الشبه العسكرية ( OS)، التي أسندت قياداتها لمحمّد بلوزداد، والتي تنحصر مهمتها في الإعداد للثورة المسلحة، وأعطى هذا المؤتمر لهذه المنظمة أولوية هامة ووعدها بمد يَد المساعدة، لكن الواقع كان غير ذلك، حيث كثيراً واصطدمت بعدة عراقيل وصعوبات (17) .
بدأ محمّد بلوزداد في تحريك المنظمة وتهيئتها، حيث اجتمع مع بعض قيادي الحزب لوضع الأسس لانطلاق المنظمة في العمل المسلح، بحيث تكونت هيئة أركان ضمت كل من: محمّد بلوزداد، محمد بوضياف، حسين آيت أحمد، أحمد بن بلة، أحمد محساس، بلحاج الجيلالي (18)، محمّد ماروك (19)، الجيلالي رجيمي (20)، الذين اجتمعوا بمنزل محمّد بلوزداد بالقبة في 13 نوفمبر 1947 لوضع خطة شاملة للانطلاق العملي للمنظمة(21)، وعلى الرغم من أنها كانت تشكل تنظيماً مغلقاً بعدد محدود يتراوح ما بين 1000 و1500 مناضل إلاّ إنها بنهاية سنة 1948 بلغت درجة عالية من حيث الجانب النفسي وقليلاً من الجانب المادي(22)، واجتمعت مرة أخرى في ديسمبر 1948 بزدين( قرية فلاحية صغيرة تقع بمقاطعة عين الدفلى حاليا)، بمزرعة بلحاج الجيلالي الذي كان مسؤول عن التدريب بالمنظمة الخاصة (23)، وطرحت قيادتها بلسان حسين آيت أحمد السؤال الذي ينبغي طرحه: ” متى يتم إعلان الثورة ؟ “(24)، وأصبحت هذه المنظمة قائمة بأركانها ومناضليها مستعدة للدخول في المعترك الحقيقي بعد سنة من تأسيسها، حيث قامت بعدة ترتيبات للدخول في مرحلة فعلية جديدة، كفصل جميع الإطارات والمناضلين المنخرطين في المنظمة من جميع مهامهم، وإعلان ذلك حتى تُبعد الرقابة الفرنسية عنهم، وتم تقسيم التراب الجزائري إلى مناطق ووضع على كل منطقة رئيسا(25) .
وقد اكتسبت المنظمة الخاصة خبرة تنظيمية وعسكريةلم تكن لديها من قبل، خاصة بعد تدريبات أعضائها في كل من شرشال وعين وسارة، وقيامها بعدة محاولات هجومية كالاستيلاء على مركز بريد وهران في أفريل 1949، ومحاولة تفجير تمثال كاشرو الذي نصبه الفرنسيون بمعسكر في أكتوبر 1949، وقام سويداني بوجمعة بفلفله بمهاجمة المحجرة والاستيلاء على المتفجرات في سنة 1948، وغيرها من العمليات (26). واستطاعت هذه المنظمة خلال ثلاث سنوات أن توفر الشروط الضرورية للمعركة الفاصلة مع الاستعمار الفرنسي، إلاّ أن اكتشاف أمرها من طرف الشرطة الفرنسية في مارس 1950 فوّت عليها فرصة الإسراع في العمل المسلح، مما أدى’إلى اعتقال عدد كبير من أعضائها(27).
أمام هذا الوضع كان حزب”حركة انتصار الحريات الديمقراطية” MTLD)) يتخبط في مشاكل سياسية غير مبال بأمر المنظمة الخاصة، تغذيه صراعات جانبية وحزبية ضيقة، مما أدى’ بأعضاء المنظمة إلى إعادة النظر في كيفية بعثها من جديد، ومواصلة مشوارها في تحرير البلاد عن طريق الكفاح المسلح مرة أخرى، متجاوزة الحزب الذي كان غارقاً في مشاكل لا حصر لها بما تقتضيه الظروف والمستجدات، ولاسيما أن الحزب أنكر وجود هذه المنظمة العسكرية عند اكتشافها، واتهم الشرطة الفرنسية بتدبير مؤامرة كاملة لحل حزب “حركة انتصار الحريات الديمقراطية “، مما أدى’ إلى حلـها في ربيع 1951، ورفض إعادة بعثها من جديد من طرف قيادة الحزب، وتجريد أعضائها من ممارسة أي مسؤولية داخل الحزب، وإبعاد معظــم مناضليها (28)، وهو ما آثار استياء أعضاء المنظمة، وحاول كل طرف سواء من المصاليين أواللجنة المركزية تحميل الطرف الآخر مسؤولية الآثار السلبية لسياسة شارك فيها الجميع سواء على صعيد العمل السري بتأسيس المنظمة الخاصة، أو على صعيد العمل العلني بالمشاركة في انتخابات المجلس الوطني الفرنسي والمجالس البلدية الجزائرية، ثم معالجة عواقب اكتشافها، وهو الحدث الذي أحدث ضجةكبيرة لدى’ المناضلين، وجعل الجدل يدور حول الجوانب الشخصية والإجراءات بدل البحث في جوهر الخلاف والوصول للأسباب العميقة للأزمة (29) .
وقرار حل المنظمة الخاصة من طرف الحزب هو أول شرخ بين الثوريين والحزب، وازداد هذا الشرخ أكثر بعد انضمام الحزب إلى تنظيم جديد سمي”بالجبهة المشتركة للدفاع واحترام الحرية- Front Commun pour la Défense et le Respect de la Liberté ” في نفس السنة، وهو ما اعتبره أعضاء المنظمة الخاصة نكسة سياسة بحجة أن هذه الجبهة لم تحدد الإطار الذي يتم فيه الدفاع عن الحرية (30)، إلاّ أن هذا التحالف بين الحركات الوطنية يدل على وجود قاسم مشترك بينها والتي كانت تبحث عن طريق التجمع والتكتل لتعويض نقص التعاطف الذي أبدته الجماهير تجاهها، وكذلك كرد فعل إزاء السياسة الاستعمارية التعسفية بجبهة قوية متينة ومتراصة، إلاّ أن ذلك لم يجدي نفعاً، فسرعان ما تصدعت تلك الجبهة المشتركة بسبب تباين اتجاهاتها الإيديولوجية، وأهدافها ووسائلها (31).
- التحضيرات الأولى للكفاح المسلح
في ظل هذه الأوضاع التي وصل الصراع فيها إلى حد المواجهات العنيفة، وتجسيداً لفكرة العمل المسلح من جديد بادر كل من محمد بوضياف، مصطفى بن بولعيد، ديدوش مراد والعربي بن المهيدي منذ مطلع سنة 1952 بتشكيل لجنة عمل اتخذت بعد سلسلة من اجتماعات القرارات التالية :
أ- بعث نشاط المنظمة الخاصة من جديد دون اخذ موافقة ” حركة انتصار الحريات الديمقراطية”
ب- الشروع في تحضير وسائل العمل من أسلحة وقنابل….
ج- التفكير من جديد في توحيد الأحزاب الوطنية، عملاً بمبدأ ” الإتحاد والعمل ” الذي ظهر من جديد غداة الحرب العالمية الثانية .
د_ الاتصال بالثوار في كل من تونس و المغرب( مشروع الكفاح المغاربي المشترك)
وصادف هذا أن أرسل الأمير عبد الكريم الخطاب من القاهرة في جوان 1952 مبعوثين من أجل البحث عن آفاق العمل المشترك مع الحركات الاستقلالية في أقطار بلدان المغرب العربي، فكان ذلك تحفيزاً وتشجيعاً للعناصر الثورية في تحركهم المستقل في اتجاه العمل الثوري (32).
ويصف محمد بوضياف أن فترة 1952 / 1953 تميزت بأزمة انعدام الثقة بين الجماهير والأحزاب السياسية لكون لا أحد من هذه الأحزاب اقترح السبيل الواضح لتحرير البلاد الذي يكمن في العمل الثوري، خاصة بعدما انطلق الكفاح المسلح في كل من المغرب وتونس، وهو الوضع الذي جعل الثوريين ينتقدون الحزب انتقاداً لاذعاً (33).
ولمعالجة هذه الأوضاع تعددت اللقاءات والمشاورات، وما ميّز هذه اللقاءات هو انعقاد المؤتمر الثاني لحزب الشعب (PPA) “حركة انتصار الحريات الديمقراطية ” من 04 إلى 06 أبريل 1953 بالجزائر (34)، الذي انتهى’بنظام محكم بعد أن صوّت على اللوائح والقوانين التي قدمتها اللجنة المركزية (35)، وعبر عن موقف الحزب من الحياة السياسية، ومن الوضع الراهن، وعن أسلوبه الجديد المتمثل في توجهه الشرعي وانتهاجه الإصلاحي، هذا النهج الذي لم يكن يخدم طروحات المنظمة الخاصة التي كانت ترى’ فيه مضيعة للوقت،وترى من الضروري الإسراع في انتهاج العمل الثوري لتحرير البلاد،متشبثة بفكرة ” ما يُؤخذ بالقوة لا يرد إلاّ بالقوة”، في الوقت نفسه فإن ما أفرزه المؤتمر هو موقف غريب من حزب عتيد ناضل أكثر من ربع قرن وهو ينادي بفكرة الاستقلال ، ليصل في نهاية الأمر إلى مسايرة السياسة الاستعمارية والإصلاحية الإمبريالية .
يذكر رابح بيطاط أثناء مداخلته في المؤتمر الأول لتاريخ الثورة التحريرية المنعقد بنادي الصنوبر من 28 إلى 31 أكتوبر 1981 ،بأن أعضاء المنظمة الخاصة اتهموا بأنهم مؤيدين اللجنة المركزية، مما أدى بمصالي للتهجم عليهم، وصار المناضلين يضربون بعضهم البعض بالعاصمة،أكد هذه الشهادة أيضا السيد المجاهد عبد الحميد مهري بحيث قال أنه حين كانت مجموعة من أعضاء المنظمة الخاصة ( محمد بوضياف، رابح بيطاط، مراد ديدوش، عيسى كشيدة ) منكبه للتحضير للعمل المسلح،كانت هذه المجموعة في نفس الوقت تتعرض للضرب بالهروات والقضبان الحديدية في وسط العاصمة من طرف بعض المناضلين المتعاطفين مع مصالي، والذين أُوهموا بأن تلك المجموعة منحرفة عن الخط الثوري(36)، ورداً على هذا التصرف قام بعض أعضاء المنظمة الخاصة بإرسال جماعة لاقتحام مقر الحزب وضرب عدداً من المناضلين، وذلك ليبُينوا أنهم ليسوا عاجزين على الرّد بالمثل، ويضيف كذلك رابح بيطاط أن العنف أصبح وسيلة من وسائل حل الخلاف داخل الحزب(37)، ويشير إلى هذا أيضا المؤرخ محمد حربي في مذكراته، بحيث يذكر أن القادة الحقيقيين كانوا يباركون العنف، ويوفرون له الغطاء، وذكر في هذا الصدد رسالة مولاي مرباح إلى الحاج مصالي المؤرخة في 10 ماي 1954، والتي جاء فيها ” قام مناضلو القصبة أمس بهجوم مباغت ضد بعض القياديين المشكوك فيهم أيضاً، مثـل مـحرري النـشرة المعنية( Le patriote)، يبدوا أنهم أخذوا ضربات مبرحة،… تعرض مناضل من القصبة إلى الاعتداء لماّ كان وحيداً، لكن الشوط لم ينتهي بعد حسب ما علمت.”(38) ، واستفحل هذا الأمر خاصة عندما فاجأ الحاج مصالي بإعـلان ميلاد ” لجنة الإنقاذ العمومي- Comité du Salut Public ” (csp) في 11 مارس 1954، التي أوكل لها مهمة استعادة صلاحيات الإشراف على الحزب، وقام بتوزيع مناشير يوضح فيها أسباب خلافه مع اللجنة المركزية والتشهير بهم (39)، بل تعدى’ الأمر ذلك واتهم معارضيه من المركزيين بالبيروقراطية وبالنزعة البرجوازية والإصلاحية، ووصفهم بالانتهازية والنفاق، وذهب إلى حد اتهام حسين لحول باختلاس أموال الحزب لمنافع شخصية (40)، ونتج عن ذلك تحول خطير في مسار التيار الاستقلالي الذي لم يسبق له من قبل إشراك القاعدة النضالية بصورة مباشرة في أي خــلاف(41).
- تأسيس اللجنة الثورية للوحدة والعمل
أمام هذه الظروف بادر أعضاء المنظمة الخاصة من جديد إلى بعث حركة رأي لدى القاعدة للحفاظ على وحدة الحـزب لتوجيه التيار الاستقلالي نحو الغاية التي وُجد من أجلها، وتحديد طريق الهدف بوضوح بانتهاج الكفاح المسلح كخيار وحيد لتغيير الواقع الاستعماري البائس،وهذه الخطوة والفكرة هي أصل إنشاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل(CRUA)التي تـأسست في مارس 1954 (42)، وأصدرت جريــدة ناطـقة باسمها وهي ” الوطني -Le patriote ” (43)، وتضمن بيانها ا